انطلقنا على الرمال الهامدة، نبني من الأحلام قصورا، و في الأزقة الضيقة نرسم على الجدران سرورا و حبورا .

انطلقنا، جامعين من الشمس دفئا و نورا، و من السماء زرقة و نقاءا، لتزهر نظراتنا حبا و تورق همساتنا ربيعا.

انطلقنا بعد أن أسرنا برد الشتاء و صقيعه لأربعة أيام متتالية، لم يكن لنا فيها من الدفئ غير دفئ أحضاننا و من الحرارة غير حرارة المدفأة الكهربائية و من السرور غير مسرة مقاسمة ضحكاتنا مع أبناء عمتكما.

انطلقت بنا الحافلة لتتابعا بنظرات باحثة صور الرحلة عبر النوافذ، و لتشدكما ككل مرة صورة دورية الشرطة المرابطة على مدخل مدينة سوسة ، مبهورين بالحلة السوداء و بالسلاح الذي يرتدونه، متتالية تعليقتكما عن الخير و الشر ،عن الحب و الكراهية، عن الأرض و العرض ، عن اليهود و أرض الخلود، راسمة كلماتكما البسيطة المفردة ملحمة شعب ثائر ، ذو حظ عاثر، حائر بين أمن بلا كرامة أو كرامة بلا أمن.

تعالت صيحاتكما مع مرورنا أمام محطة القطار طالبين مني أن أقتني لكما قطارا كبيرا نرتحل به بين محطات المنزل، مبهورين بزرقة البحر المرمي خلف المحطة، مستذكرين رحلات الصيف على متن السفن الشراعية.

تقاسمنا ثلاثتنا كأس القهوة، ليترشف كل منا ما كتب له أن يترشف، جاعلين من المائدة حلبة مصارعة، مستخدمين كل أسلحة الإستعطاف لنيل أكبر قسط من الكأس. كان علي أن أتابعكما بنظراتي و أنتما تلهوان مع صديقكما الجديد أنيس. قافزين من كرسي إلى كرسي، مجتازين حواجز الصمت و جدران الرتابة المخيمة بظلالها في أرجاء المقهى. و لم يمنعكم عن اطلاق موجاتكم الايجابية وجه عبوس أو نهر كشوش.

خرجنا من المقهى راكضين بعد أن جلب انتباهكما ضجة و جلبة الصيادين المرابطين بشباكهم على الشاطئ، لتحوما حولهم ، مشاطرين الأسماك في مقاومتها و الاستبسال من أجل الخلاص. محاولين تحريرها و إرجاعها لبحر الحرية.

قضينا بقية اليوم على الشاطئ محاولين ايجاد صدفة أو محارة من بين أكوام الحجارة و القمامة المرمية على طول الشاطئ، لكننا لم نفز بغير زجاجات الجعة الفارغة و بقايا ألواح مسمرة. وقفت أمام أطلال النزل المطل على البحر لأكتشف ضآلتي و قلة حيلتي أمام الجدران الشامخة لسجن وطنهم، و سراب حريتهم و أوهام كرامتهم.

قفلنا راجعين في الحافلة، نحمل من الوطن أحلامنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.