بابا، لن نذهب إلى شاطئ آخر، لأن هذا الشاطئ ليس فيه يهود. قالها و هو يلعب بألعابه، ثم راح نحو البحر قاذفا نفسه فيه.

سألتني طفلة، لمن هاته الألعاب، فأشرت إلى أشرف في البحر، فذهبت إليه طالبة منه أن تلعب بألعابه، فرفض بادئ الأمر و لم يقبل إلا حين وعدته الطفلة بأن تبني له قصرا كبيرا من الرمال. بقيا سويا إلى جانبي على الشاطئ، يملآن السطل رملا و يفرغانه أن يبنيا قصرا، إلا أن الرمل لم يكن متماسكا، و في كل مرة كان كدس الرمال يتشقق و يتصدع لينهار. استسلمت صديقة أشرف للفشل، و تركته وحيدا لتلعب مع أخواتها.

عرضت عليه أن أحفر له حفرة كبيرة و أبني له قصرا شاهقا فخما، فوافق. فرحت أحفر و أكوم الرمل على جنبات الحفرة مشكلا حائطا رمليا، بينما كان أشرف يجر لي ماء البحر بسطله ساكبا إياه في الحفرة تارة و قافزا في الحفرة تارة أخرى. تحلق حولنا بعض الأطفال ممن بهروا بضخامة الحفرة و البناء، ليلتحق بهم أولياؤهم. أتانا أحد العاملين على الشاطئ ليطلب مني عدم الحفر، فبادرته بابتسامة صفراوية، ردا على طلبه الأحمق مكملا الحفر و البناء، و كأنه لم يكلمني أصلا. استهجن المتحلقون من حولي طلبه السخيف، حتى أن أحدهم طلب مني أن أحفر بالجاروفة.

لم يكن شاطئ برج خديجة ممتلئا يومها، ربما كان ذلك  بسبب التخوف من أعمال اجرامية  ارتدادية، و كما يقول المثل ، الخوف يجري الجوف. لكن يبدو أن جوف المصطافين ممتلئة بما شاءت أن تمتلئ من الخيرات و الممنوعات، رغم انتصاب الشمس في كبد السماء في رمضان.

أكمل أشرف أكل قطعة البسكويت، و اصطحبته إلى شاطئ آخر، بعد أن كثر لغط المفطرين، و دخان المدخنين. لأكتشف فراغ أغلب الشواطئ من المصطافين خاصة السواح منهم. فطيف العملية الاجرامية ما يزال يحوم في الأجواء. و يبدو أن ظلاله ستبقى لأمد غير معلوم.

تعرف أشرف في الشاطئ الجديد على صديق جديد، سبح معه فترة، ثم طلب مني أن أسبح معه و أن أحمله و أقوم بقذفه في الماء، فعلنا ذلك لفترة، ثم خرجنا للحفر و البناء فكان البناء الثاني أفخم من الأول لجودة رمال الشاطئ.

لم يرد أشرف العودة إلى المنزل، و طلب مني أن نقوم بجولة بالمدينة العتيقة بسوسة، و كان كلما مر على متجر أو مغازة، إلا و طلب مني أن أشتري له منها لعبة أو حلوى أو بسكويتا، و كان يغضب و يرفض المشي كلما رفضت له طلبا، و كنت في كل مرة أتكبد عناء كبيرا لأقنعه بإكمال المشوار، و عدم شراء ما اشتهاه. متعللا بعدم جودة و نظافة  ما طلبه، واعدا اياه بأن أشتري له ما طلبه حين نصل إلى مساكن.

صعدنا الحافلة أخيرا، لكنه عوض القفز و النط كما فعل في رحلة الذهاب، فقد  وضع رأسه في حجري  مستسلما للنوم، لأحمله  بين أحضاني طول الطريق بين المحطة و المنزل، و أضعه في فراشه و قد احمرت وجنتاه بعد يوم من الشمس. ثم لأخرج و أشتري له قصة كما وعدته.

 أشرف يلعب في البحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.